تقييم كتاب موت الغرب - باتريك جيه. بوكانن
• الكتاب يمثِّل صفعة قويَّة على وجوه العلمانيين الذين اشتدَّ أذاهم في أوطاننا العربية والإسلامية، والذين صدَّعوا رؤوسنا طوال نصف قرن بحقوق المرأة، وفكرة الديمقراطية المتحرِّرة من أيِّ قيود، وتحديد الإنجاب؛ للتقليل من عدد السكان، وتكثيف برامج تحديد النَّسْل؛ لاستيعاب الثروات المتناقصة يومًا بعد يوم، ويتفاخرون بعلمانية الغرب وتقدُّمه الحضاري الهشِّ في داخله، ويشيرون إليه ليل نهار، مستشهدين بما هو فيه من ترَفٍ في الثروات وثقافة خاوية في التطبيق والتمكين، وها هو الغرب يئنُّ من خلال شهادة باتريك بوكانن القوية في كتابه "موت الغرب"، ويظل قول "بوكانن" الساخر المتهكِّم هو بمثابة اللكمة القاضيَّة التي تعقب صفعتنا الأولى لهؤلاء العلمانيين المسبِّحين بحمد الغرب وحضارته: "مفارقة المفارقات، اليوم يضغط غرب نصراني مسنٌّ يموت على العالم الثالث، وعلى العالم الإسلامي؛ ليقبل منْع الحمل والإجهاض والتعقيم، مثلما فعل الغرب، ولكن لماذا عليهم أن يدخلوا حلف انتحار معنا في الوقت الذي يقفون فيه لوراثة الأرض عندما نكون قد ذهبنا؟!"؛ ص 104.
• الكتاب يمثل درسًا قلَّما نجده في "نقد الذات" الأمريكي، فمن عجبٍ أننا وسط هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية الوهميَّة على العالم، وإرساء سياسة القوة الأُحاديَّة، بعد أن كان العالم تتنازعه قوَّتان متضادَّتان، وشهود الإمبراطوريَّة الأمريكية أوْجَ قوَّتها وظهورها، نجد أصواتًا من الداخل تنادي بالحذر من أنَّ الغرب يحمل في داخله بذور فنائه، وتنادي بسرعة التنبُّه لِمَا يحمله المستقبل من واقع قاسٍ استلهَمه الكاتب من سقوط الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بعد وقوعها أوَّلاً فريسة لملذَّاتها وتَرَفها الداخلي، قبل استبدادها وجبروتها على بقيَّة الأُمم.
• يُعَد أسلوب الكاتب "باتريك بوكانن" متمكنًا للغاية من الاستشهاد بتجارب المواقف السياسية التي عاشها طيلة حياته السياسية، إلى جانب جو الطرفة والسخرية التهكُّميَّة التي تبرز مواطن الخَلل فيما يعرضه من قضايا بأسلوب متقبَّل للقارئ الغربي، الذي يتعامى في بعض الأحيان عن أصْل علَّته الإنسانيَّة، في ظلِّ هيمنة الثقافة العلمانية النفعيَّة على واقعه المعاصر، وهذا الأسلوب لا يجيده سوى القليل من الكُتَّاب المتمرِّسين الذين يؤمنون بقيمة ما يكتبونه، ومن ثَمَّ يثق بهم القُرَّاء.
• جاءت ترجمة الأخ المترجم في بعض مواضع الكتاب أشبه بالترجمة الحرفيَّة من الإنجليزية، وهذا وإن كان له فائدة؛ من حيث الاستمتاع بنصِّ عبارات مقالات الكتاب، والتعرُّف على قلم "بوكانن" الحقيقي بدون طريقة "التعريب" التي يَتَّبعها أغلب مترجمينا؛ للهرب من جو النص الأصلي، وتقريبه لأذهان القارئ العربي - إلاَّ أنَّه لا يخلو من عيوب في حقيقة الأمر، ونعذِر المترجم؛ فالكاتب من أصحاب الدراسات العلميَّة المغلفة بطابع أدبي، وهو ما يجعل مهمَّة ترجمة كتاباته مهمة محفوفة بالمخاطر بالفعل.
• يمكننا القول: إنَّ هذا الكتاب رغم توجيهه للقارئ الغربي - كرسالة تحذيرية؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه - إلاَّ أنَّه للقارئ المسلم العربي بمثابة البشارة التي يحتاج إليها المسلمون في وسط أرتال الظلاميَّة، وحالة الاستضعاف التي آلَتْ إليها أغلب بلدان عالمنا الإسلامي، وللتدليل على عظمة الحضارة الإسلامية التي تحمل مقومات بقائها، ووراثتها الأرض كما وعَد خالقُنا في كتابه الكريم، مع ضرورة التغيير الداخلي؛ ليغيِّر الله واقعنا، دون الالتفات لثقافات غربية تعمل على نهايتها واندثارها بأيديها؛ مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 118]. اضغط على صورة الكتاب لتحميله
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/76467/#ixzz3s44WYABi
ليست هناك تعليقات