الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

وقفات مع الفلسفة الشكية


وقفات مع الفلسفة الشكية




كالعادة نجد الخلط الكثير في عزو أفكار إلى غير روادها، كما نجد الخلط الكبير للأوراق في هذا المجال، والفلسفة الشكية لا تخرج عن هذه القاعدة، فقد اضطرب الباحثون حول أصل هذه الفلسفة وروادها، فنجد الغرب يعزوها إلى الفيلسوف الشكي: رينيه ديكارد، صاحب المقولة المشهور: "أنا أفكر إذا أن موجود"، في حين يعزوها كثير من المسلمين إلى الجاحظ والغزالي، ويدور جدل مستعر بين الفريقين، وترى التيار الديكاردي الغربي يرجع الفلسفة الشكية التي اتبعها الجاحظ والغزالي وأضرابهما إلى الشك المذهبي وليس المنهجي، والفرق بين النوعين أن المذهبي شك لمجرد الشك كما هي الفلسفة السفسطائي، بخلاف المنهجي الذي هو طريق ومنهج من أجل النظر والبحث للوصول إلى الحقيقة، والتحقيق أن ديكارد كان عالة على كتابات المتكلمين من الإسلاميين الأوائل الذين اتبعوا الشك منهجا في جميع مناحي الحياة حتى إن بعضهم جعله أول واجب على الإنسان، نعم لقد غالى بعضهم حتى شك في الضروريات كما حدث مع الغزالي لكن تداركه الله بلطفه وقذف في قلبه اليقين كما يقول عن نفسه، وهؤلاء المتكلمون وإن جنح الشط ببعضهم إلى السفسطة إلا أن كثيرين منهم تأثروا بهذا المنهج فانعكس سلبا على تعاملهم مع النصوص القرآنية والنبوية، إذ طبقوا هذا المنهج على القرآن لكن لأن الشك في سلامته واكتماله وكونه وحيا من الله من الصعوبة بمكان؛ لأنه يعني الردة والمروق من الدين فلم يكن بد من أن يوجهوا الشك إلى دلالاته التي رأوا فيها مرتبة دنيا عن مرتبة العقل الذي ينطلق –بحسب وجهة نظرهم- من مسلمات وضرورات عقلية لا يمكن الجدال فيها، فكان نصيب معاني القرآن هو التشكيك في صوابة بعضها، وألفينا هذا كثيرا في الآيات المتعلقة بالعقيدة والغيب، أما السنة فقد حظيت بهذه المنهج المستورد في جانبي: الورود والدلالة، وهم في ذلك ليسوا على منهج واحد، بل توجهات شتى؛ إذ أدت بهم الفلسفة الشكية إلى وضع قواعد وأصول منائة للشريعة الإسلامية فتفتتوا وتشظوا حتى غدت المعتزلة وحدها (25) فرقة، وقل مثل ذلك في غيرها، وإن كانت في غيرها أقوالا ومذاهب تحكى ضمن مذهب واحد.
والفلسفة الشكية التي ظهرت عند بعض علماء الكلام لم تكن وليدة الواقع والمعالجة الدينية للنوازل والظروف العاصفة بالأمة بقدر ما كانت تأثرا بمنهج مستورد، فالشك ظهر بوضوح في المذهب السوفسطائي، لكن يعدّ بيرو اوبيرون (360- 270هـ) الأب الروحي للفلسفة الشكية برمتها، وقد تخرج على يديه فلاسفة شكيون كثر، وقد انتقل تراث هذه المدرسة إلى الكتب اليونانية التي بدورها وصلت إلى أيدي المسلمين فتلقفها بعضهم بنهم، وأخذ ينهل منها حتى كادت تهلكه..

واليوم نرى بعثا لهذه الفلسفة لكن بدلا من أن تكون في مجالها الذي يمكن أن تفيد فيه إذا ببعضهم يريد أن يطبقها على ضروريات الدين، فتراه يسلم بكل ما يأتيه من الآخر، فإذا جاءه النص القرآني أو النبوي تشكك فيه ثم يرده في النهاية: ورودا أو دلالة.. إن هذا مرض بدأ يسري بين كثيرين من شبابنا ممن غيبوا عن دينهم ومزاياه ومناهج نقله، ولكن الله غالب على أمره.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ ردود على العلمانيين والملحدين 2015 ©