الاثنين، 3 سبتمبر 2018

قراءة نقدية لرواية (عزازيل)

قراءة نقدية لرواية (عزازيل)
انتهيت بالأمس من قراءة رواية (عزايل) أي الشيطان باللغة الآرامية، والتي حصلت على الجائزة العالمية للرواية العربية، وهي للكاتب المصري المعروف: يوسف زيدان، المتخصص في الفلسفة، ومؤلف الكثير من البحوث والدراسات، وهو ذو خلفية علمانية، وقد قرأت هذه الرواية لـأتلمس فكر هذا الرجل والمنهج الذي يحمله التيار الذي ينتسب إليه، وكيف يوظفونه في رواياتهم، وهذه الرواية هي عبارة عن سيرة ذاتية لراهب مصري عاش أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلادي، وكانت هذه الفترة هي فترة انتقال مصر والعالم الروماني من الوثنية إلى المسيحية، فانتقل الراهب من قريته: نجع حمادي إلى الإسكندرية ليتلقى علوم الطب واللاهوت، فمكث فيها سنوات عدة عايش فيها أحداثا متنوعة أبرز ما فيها الصلف المسيحي تجاه الوثنيين والذين كانوا متميزين بالتسامح والتبحر في العلوم الفلسفية والرياضية على خلاف الكنيسة الإسكندرانية، وقد تعرّف الراهب فور وصوله الإسكندرية على فتاة تدعى (أوكتافيا) وهي امرأة وثنية عثرت عليه في الساحل فغمرته بالحب تبعا لنبوءة عجوز وثنية تقول إنها ستجد حبيبها يأتيها من البحر بعد ثلاث سنين، وقد منحت هذا الراهب الشاب الكثير من العواطف الجياشة بل لقد منحته من ثمرات جسدها الشيء الكثير ثم رحل عنها مطرودا عند علمها بكونه راهبا مسيحيا فذهب إلى الكنيسة التي جاء قاصدا إليها ثم تعرف بعد زمن يسير على الفيلسوفة والرياضية الوثنية (هيباتيا)، والتي تأثر بها أيما تأثر لكنها لقت مصرعها على يد أوباش الكنيسة الإسكنرانية بتحريض من أسقفها، وقد تفنن الكاتب في تصوير بشاعة مصرعها بقدر زائد قليلا على المُثبت تاريخيا ثم انتقل الراهب إلى أوشليم، وفي الطريق عمّد نفسه واختار لنفسه اسم (هيبا)، وهو الشطر الأول من اسم (هيباتيا) الفيلسوفة، وفي أورشليم التقى بالراهب تيودور وتلميذه الكبير نسطور، ثم انتقل إلى حلب ليترهبن في دير كان في الزمن الغابر معبدا للوثنيين، ويمكث معهم فترة من الزمن حدثت فيها الكثير من الأحداث أبرزها الصراع الكنسي بين نسطور الذي أصبح لاحقا أسقف القسطنطينية، والذي لم يسلّم بألوهية المسيح وتجسد الله فيه كما زعم أسقفا الإسكندرية وروما، وينتهي الصراع بالإطاحة بنسطور من كرسي الأسقفية، ويتعرف الراهب (هيبا) خلال هذا الفترة على فتاة تدعى (مارتا)، فتأخذ عليه بجوامع قلبه لكنه لم يتمكن من الزواج بها لكونها مطلقة، والمسيحية تمنع الزواج بالمطلقة وتجعله بمثابة الزنا، ثم يصاب بوعكة صحية يخرج على إثرها من الدير والرهبنة ليعيش حرا على حد قوله.
وقد امتلأت الرواية بالتأملات والأسئلة العقلية والفلسفية والدينية الشائكة والمُشككة في نفس الوقت، ومن خلال السرد والأحداث ورسم الشخصيات حاول الكاتب جاهدا أن يسرِّب جملة من الأفكار التي يتجلى فيها الفكر العلماني صريحا بل لا أبعد إن قلت إن الإلحاد هو النهاية الطبيعية التي توصل إليه هذه الرواية كما سيأتي، ولهذا فإن على هذه الرواية جملة مؤاخذات وانتقادات منها ما يلي:
أولا: جعل الكاتب روايته عبارة عن صراع بين العقل والدين، العقل متمثلا بالعلم والفلسفة التي تمثلها (هيباتيا) والدين الذي تمثله الكنيسة، وكيف أن الدين (الكنيسة) عصفت بالعقل والمنطق والطب والفلسفة فطاردت رجالها وقضت على كبارها كهذه الفيلسوفة، وقد تدثر الكاتب بهذه الرواية ليضرب الإسلام أيضا إذ من الصعوبة بمكان أن يواجه الإسلام مباشرة، فكانت النصرانية هي مجرد مثال خاصة وأن في عبارات (هيبا) لاحقا نقدا للدين جملة، بل يمكن القول إنه قد صور رجال الدين أيضا عبارة عن جملة من الظلمة المنتفعين.
ثانيا: صور الكاتب الوثنييين على أنهم أكثر عقلا ولطفا وعلما وذكاء مقارنة بالكنيسة وكبرائها بل إنه جعل من (أوكتافيا) والتي بذلت جسدها لهذا الراهب أياما طويلة جعل منها فيلسوفة ظلمها المتشددون المسيحيون.
ثالثا: قلب الكثير من المفاهيم، والتي تكاد أمم (العقلاء) تتفق عليها، والتي منها: الحب، والزنا، فلم يستنكر الزنا في روايته كلها رغم سرده لصفحات متتالية لبعض الأحداث ووصفه الممل أحيانا لما يرتبط بهذه الجريمة، وجعل الزنا رديفا للحب، والذي يخلص من الرواية في هذا المجال أن الزنا بين المحبين ليس خطيئة، أما إذا لم يكن كذلك فإنه خطيئة بل قد يكون خطيئة من أحدهما وليس خطيئة من الآخر، والمرجع في تمييز ذلك هو الحب، وهذه دعوى صريحة للإباحية، وهي الحقيقة التي لطالما حاول أن يخفيها الكثيرون من العلمانيين قبل زمن ثم أخذوا يصرحون بها في الفترات الأخيرة، ويجعلون الزنا حرية شخصية، والكاتب –تبعا للفكر العلماني الغربي- يفرق في روايته ضمنا بين البغاء والزنا، فيحتقر ويستنكر البغاء كما ورد هذا على لسان بعض شخصيات الرواية، ولم يستنكر الزنا لكونه كان نابعا من حب.
ومن المفاهيم المسربة أيضا أن الأصل في التدين أن يكون في القلب وليس في المعابد والصلوات، فقد جاء على لسان هيبا: " أدركت بعد طول تدبر أن الآلهة على اختلافها لا تكون في المعابد والهياكل والأبنية الهائلة، وإنما تحيا في قلوب الناس المؤمنين بها"، وهذا بعينه هو ما يطالب به العلماني العربي اليوم، فلا يريد أذانا ولا صلاة ولا مساجد، مع أن الشرع الذي يجب عليه وعلى كل إنسان تطبيقه يأمر بجميع ذلك، لكن ما سبق مجرد هوى، والله سبحانه يُعبد بما أمر لا بما نهوى نحن، ولسنا نحن أيضا المخولون بتحديد نوعية العبادة التي يستحقها الله سبحانه، والعجيب أن العلمانيين لا يريدون من الناس التدخل فيما يجعلونه حريات شخصية، ولكنهم يدسون أنوفهم في مشيئة الله سبحانه وبكل وقاحة، بل وفي حرية الإنسان أيضا حين يقرر تنفيذ ما أمر الله به!
رابعا: كانت المرأة في هذه الرواية رمزا للدعارة والخيانة، فالكاتب لم يذكر أي نموذج شريف بالمعنى الشرعي والعرفي، إذ إن النساء المذكورات في الرواية كن قلة، وكان التركيز على اثنتين: (أوكتافيا ومارتا)، وكلاهما مارستا الفاحشة وبدم بارد، وبلا أي تأنيب ضمير بل وبلا أي نكران من (هيبا الراهب) نفسه! بل إنه برر لهما فعلتها، أما أم هذا الراهب فقد صورتها الرواية خائنة إذ تزوجت بأحد قتلة زوجها (أبو هيبا)، ولهذا عبر (هيبا) في سيرته هذه في أكثر من موضع عن كرهه لها، واستهجانه فعلتها، وأما (هيباتا) فقد أكثر في وصف جمالها حتى طغى هذا الوصف على وصف علمها، وهو لم يقحتم حياتها الخاصة حتى ينقل ما نقله عن غيرها من خنا.. هكذا هي المرأة في رواية هذا العلماني: زانية، وخائنة، ثم تعجب من كثرة ثرثرتهم عن حقوق المرأة وهم في حقيقة الأمر –كما تظهر هذه الرواية- يريدون (حقوها) لا حقوقها، إن هذه الرواية ببساطة من أكثر أهدافها تجليا إزالة الحواجز العرفية والدينية أمام المرأة والرجل التي تمنعهم من الالتقاء المحرم، وهذا الأمر هو ما يسعون إليه اليوم قولا وفعلا.
خامسا: برز الفكر الإلحادي في هذه الرواية من خلال كلامه عن الله وأنه صناعة البشر، وأن الشيطان –كذلك- من صناعة أوهام الناس، وأنه في حقيقة الأمر الجانب الشرير في كل إنسان، ولأن البشر يريدون تحميل الغير كل ما يعملونه من شرور ابتكروا الشيطان ليكون هو الفداء.
سادسا: يتجلى الفكر الإلحادي والليبرالي أيضا في ختام هذه الرواية حيث قال الكاتب في ختام روايته على لسان هيبا الراهب: "ولسوف أدفن معه –أي رقه الأخير- خوفي الموروث وأوهامي القديمة كلها ثم أرحل مع شروق الشمس حرا"، أي أن عبادته وتصديقه للدين ووجود إله وشيطان وأنبياء وكتب..إلخ كلها كانت أوهاماً، وجعل الموعد شروق الشمس الذي يوحي بنور جميل هادئ وبداية جميلة لحياة رائعة مشرقة، وهي حياة الحرية بعيدا عن كل تلك الترهات!
سابعا: إمعانا في تضليل القارئ فإن الكاتب جعل الرواية على هيئة سيرة ذاتية كتبها الراهب في ثلاثين رقا، وقد اكتشفها المترجم (يوسف زيدان) محفوظة بشكل سليم وبخط واضح، وقام الكاتب بترجمتها، وكان يحشي أحيانا لتوضيخ بعض المعالم أو الأحداث معقبا هذه الحاشية بقوله: (المترجم) على غرار ما يصنعه المترجمون اليوم، ولهذا ظن بعضهم أن هذه الرواية حقيقية، وأن يوسف زيدان بحكم أنه رئيس لدار مخطوطات قد وقع فعلا على هذه المخطوطة، والحق أنها رواية، وهذا النوع من الروايات يسمى برواية أو أدب السيرة الذاتية، وما فعل يوسف زيدان هذا إلا زيادة في التمويه والتضليل، وهكذا ديدنه وجماعته دوما.
ثامنا: مكمن المشكلة في الروايات أنها توفر ملاذا آمنا لكل من يريد تسريب أفكار تعادي الدين والعرف والقيم، وهو التذرع بأن ما كتبه رواية وإبداع، وهما يتطلبان كثيرا من التجوز، وبهذا الاعتذار يتمكنون من الترويج لأهوائهم، فالرواية هي أفضل وأكثر طرق التأثير على الشباب خاصة إذا علمنا بأن الروايات هي الأكثر مبيعا عالميا، ومن هنا يدرك القارئ أن الكثير من الأفكار المنحرفة التي تتسرب للجيل هي في في الأصل غير مبنية على فكر ونظر وتأمل، وإنما تسربت بفعل التاثر والعواطف التي تصنعها مثل هذه الروايات المؤدلجة لتجرف فريقا كبيرا من شباب الأمة إلى شاطئ آخر لا علاقة لها بتاريخه وموروثه، ومن هنا ندرك أيضا سبب كثرة الانحرافات الفكرية في فئة الأدباء والروائيين إذ إنهم غالبا ما يكوّنون تصوراتهم بناء على ما يقرؤون من روايات، والتي يغلب عليها تلك الاتهجاهات المنحرفة، وأقول أسِفا إن هذا النوع من العلوم الإنسانية يفتقر كثيرا للرواية الإسلامية التي تتمتع بالمهنية العالية، ولهذا لايبعد القول إن خوضها واقتحام مجالتها واجب كفائي يأثم القادرون على تركه عند انتفاء الموانع، والله المستعان.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ ردود على العلمانيين والملحدين 2015 ©