الجمعة، 4 ديسمبر 2015

جواباً على سؤال علماني

جواباً على سؤال أحدهم عن مرتكز حكم علماء الإسلام بكفر العلمانية قلت:
الله سبحانه يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فحكم بكفر من لم يحكم بما أنزل الله، والمقصود أولئك الذين يعتبرون أن حكم غير الله مساو لحكم الله أو أفضل منه كما بين هذا ابن عباس رضي الله عنه، ثم إن من الأحكام ما لا يصلح للقيام بها إلا الدولة كإعطاء الأمان بالتعبير القديم والتأشيرة بالتعبير المعاصر، ومنع الربا الذي في اقترافه حرب على الله ورسوله، وغيرها من محرمات الشريعة، وكذلك جمع الزكاة وتوزيعها بالطريقة المشروعة، وتطبيق ما يتعلق بأحكام الأسرة والجنايات والضوابط المتعلقة بالسياسة والمال وغير ذلك، ولهذا فإن في نفي الإسلام عن الحكم إلغاء لجملة وفيرة من الأحكام.. والإسلام شامل لجميع مناحي الحياة فهو ليس كالنصرانية الخالية من التشريعات والمقتصرة على الجانب الروحي، ولهذا كانت العلمانية لا تتعارض مع المسيحية بخلاف الإسلام الذي يتعارض تمام المعرضة مع الفكر العلماني!.
ثم إننا باعتماد العلمانية نقول لله: أنت مجالك في المسجد أما شئوننا فنحن أدرى بها والله يقول: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، ففي اعتماد العلمانية اتهام صريح لله سبحانه بعدم خبرته ولطفه ومعرفته، لأن في إقصاء أحكامه تجهيل له سبحانه..، ومن هنا عندما أقرأ أو أسمع لبعض علمانيي العرب المصريين وغيرهم أجد في كلامهم الكثير من الجهل والتلبيس والتضليل وسوء الفهم بقصد أو بغير قصد فأشفق عليهم أحيانا لأني أدرك خطر ما وقعوا فيه..
ومن أمثلة هذا التضليل ضرب الأمثلة بدول توصف بالدينية وفيها من الظلم الكثير وهذا بدهي بالنسبة لنا معشر المسلمين، لأن من الأديان ما ينطوي على ظلم وطبقية وغيرها، والواجب في حق الإنسان البحث عن الدين الحق، كما أن الواجب في حق كل مسلم أن يبحث عن الصواب في الدين بالمعايير الشرعية -والذي نعبر عنه في الفقه بالقول الراجح- ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة التي لا تعرضنا لسخط الله الذي سينعكس علينا بالوبال في الدنيا والآخرة.. والغرب اليوم رغم ما نراه من بهرجهم إلا أنهم يعانون أشد المعاناة من سوس خطير ينخر فيهم ولعلك لو راجعت كتاب الموت للغرب لباتريك ج بوكانان لرأيت مقدار المآسي والأمراض الفكرية والبدنية والمجتمعية التي يعانون منها، وقد حمل الكاتب هذه الثمرات الخبيثة لنظريات العلمانية، والتي انتقدها بشدة، وحملها مسءولية ما ستؤول إليه مجتمعات الغرب من موت وفناء في حين ترى من خلال المقارنة البسيطة تقدم مجتمعاتنا في الجوانب الروحية وغيرها.. فالاغترار بالتقدم المادي دون اعتبار لغيره قصور نظر وإلا قل لي:
هل أنت مستعد لأن تكون متقدما تكنولوجيا ولا تستطيع منع الفاحشة بابنتك في بيتك وعلى فراشك؟
هل أنت مستعد أن ترفض خروج زوجتك مع عشقاء لها فترد رفضك بل وتحبسك كل هذا بدعوى الحرية؟
هل أنت مستعد أن تنتشر الشركات التجارية التي تمتص قوتك وقوت عيالك ثم تكون خاتمتك أن تزج في السجن بسبب تراكمات الربا والديون والمعاملات المحرمة؟
هل أنت مستعد أن يتخلى عنك أبناؤك وتلقى في دار العجزة في سن أنت أحوج فيه إليهم؟
أليس من واجب الدولة أن تحمي شعبها من نزواتهم وشهواتهم التي ستدمرهم وتقضي عليهم؟
إن أحكام الله الحقة هي الحصن المنيع للفرد ولاأسرة والمجتمع.. نعم نحن متخلفون ماديا وتكنلوجيا لكننا متقدمون روحيا وخلقيا، وتخلفنا المادي نابع من تسلط العلمانيين وأنصافهم والمصلحيين وأشياعهم وليس في تطبيق الإسلام..
يا عزيزي لقد كنا نحكم العالم يوم أن كان الإسلام هو الحاكم رغم الكثير من النتوءات والانحرافات إلا أننا في المجمل كنا في المقدمة، ويكفي مثالا للتطبيق المثالي للإسلام ما حدث في عهد الخلفاء الأربعة، لقد حارب المسلمون دولتين عظميين في آن واحد وتغلبوا عليهما، وعرفت الشعوب مقدار هذا الدين فدخلوا فيه أفواجا، في حين أن الإسبان وغيرهم قتلوا عشرات الآلاف من الهنود الحمر في أمريكا، والبوذيون المتشدقون بالتعاليم الروحية ونصفهم ملاحدة يفعلون بالمسلمين الويل في بورما وغيرها..
لعل مشكلة علمانيي بلاد الإسلام الأساسية هي في عقدة الأجنبي والتأثر به أو بأتباعه، والإكثار من قراءة إصداراته الفكرية فيتلوث الذهن مع الزمن، لأن كثرة سماع الباطل تورث الشكوك، والشبهات (معنويا) عبارة عن نقاط سوداء، تأتي الشبهة فتنكت في القلب نكتة سوداء وهكذا ثانية وثالثة حتى يسود القلب ويظلم.. ولو هرع المسلم لإزالة الشبهة أول ما يسمعها بالسؤال والقراءة والبحث لوجد الدواء الناجع، والحق الساطع، فدين الإسلام هو الدين الوحيد الخالي من الأسرار، والذي يجد فيه الباحث جوابا لكل سؤال مشكل.. أضف إلى أني أجزم أن كثيرا من هؤلاء الشباب لا يقرأ القرآن إلا لماما ولا يريد أن يقرأ لعلماء الإسلام ومفكريه، لأنه مشحون بما قرأ أولاً.. مما أرسى نوعاً من جلد الذات وتنكرا للدين والوطن، والأتعس من هذا أنه يتسم لاحقا بأدنى دركات الديكتاتورية فتراه يريد أن يلغي اختيارات شعب بكامله من أجل هواه وأفكاره المعلبة المستوردة، وإن لم يُستجب له اتهم غيره بالجهل.. وكأنه هو الفاهم.
وختاما أقول: كم أتمنى أن نعرف ديننا معرفة نزيل به الشبهات، وليس شرطا ان نقرأ كتب الفقه والعقيدة والتفسير بل يكفي أن نطلع على الكتب الثقافية الجميلة والمفيدة التي تعرض شرع الإسلام في النواحي كافة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ونبتعد عن الأسلوب الببغاوي المرتكز على تقليد الوافد أو الأجنبي، وأهمس في أذنك بأن معظم من ترى من علمانيي يمننا الحبيب مجرد رجع صدى لأساتذتهم المصريين والشوام، والذين هم بدورهم رجع صدى لأساتذتهم من ذي الشعر الأشقر..

يا عزيزي! ليس لدي سوى عمر واحد ولست مستعدا للمغامرة به من أجل ثرثرة فلان من الناس أو لأُمدح من أناس أو لأرتقي منصباً أو أحصل على مال زائل أو جاه لا يغني عني شيئاً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون!
كما أتمنى أن نتجرد من أهوائنا وشهواتنا ونبحث بصدق وندعو الله سبحانه أن يهدينا سواء السبيل.. أظن أني قد أجبتك!

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ ردود على العلمانيين والملحدين 2015 ©