الاثنين، 7 يونيو 2021

قبول هبات الوالي واستشرافها وواجب الولد إذا حصل عليها من أبيه


 معالي الشيخ عبد الكريم الخضير

.........................................
 

الناس في هذه المسألة على طرفين ووسط، فبعض الناس يتوسع في هذا الباب، وتجده يستشرف، ويزاحم الولاة ويؤذيهم، ويستكثر بذلك، ويقابل هذا طرف آخر يتورع عن هذه الهبات، وقد تأتيه الهبة وهو بأمس الحاجة إليها، ومضطر إليها، ولا يخشى من شيء، وقد يسلك لقضاء حوائجه بعض المسالك التي فيها منة عليه، وقد يكون فيها ضرر في دينه أو على ولده،

وأشد من هذا الصنف أن تجد طالب علم يرفض أخذ شيء من أبيه بحجة أن والده كان يطلب هبات من بيت المال، فأُقطع أرضاً تحتمله وتحتمل أولاده! وقد لقيت أحدهم فقلت له: إنك لم تستشرف، وكون أبيك قد استشرف وطلب وحصل على هذه الأرض لك لا يمنعك من قبولها، هذا من ناحية، من ناحية أخرى في فعلك هذا كسر لخاطر الأب، والإنسان عليه أن يسدد ويقارب، وبعض الآباء من حرصه وشفقته على أولاده يطلب لهم شيئاً من بيت المال، وهذا شيء مشاهد، نعم الاستشراف والمزاحمة مكروهان، لكن لا يعني هذا أن يقع الإنسان من أجلها في محذور، فأب يشكو أولاده بأنه طلب لهم أراضٍ تعينهم على أمور دنياهم وأحدهم بحاجة إلى زواج ولم يستطع، ومع هذا لا يقبل من أبيه، لا شك أن الورع والعزوف عن الدنيا والاكتفاء والقناعة أمور مطلوبة، لكن تبقى الموازنة بين المطلوبات الشرعية، فبر الوالد وجبر خاطره واجب، والأشنع من هذا أن أحدهم قد ينكر على الأب بفضاضة وغلطة لأنه طلب شيئا من بيت المال، مع أن والده طلب كغيره ممن يطلب، وهو ليس من أهل التحري، أو من المعروفين بورع أو بعلم زائد، فهو من عوام الناس، ثم إن الأخذ من غير استشراف إنما هو إرشاد، وبيان للأكمل، لكن إذا طلب المرء من بيت المال مما له فيه نوع استحقاق كغيره ممن ينتسب إلى هذا الولي فلا مانع منه، لا سيما إذا كان يدرأ بذلك مفسدة أعظم، كأن يكون مديناً أو يريد الزواج ولم يجد ما يكفيه، فمثل هذا قبوله لهبة السلطان بل الطلب منه أولى من أن يجلس أعزب، وبعض الشباب يأتينا باستمرار شاكيا عجزه عن الزواج، ولم تنكف رغبته بصيام ولا غيره، فمثل هذا يقال له: اطلب من السلطان وعفّ نفسك؛ لا أن تخشى الوقوع في المكروه وتقع في الحرام، إن هذا مثل الذي ينتهي عن الكي والرقية ليدخل في حديث السبعين ألفاً، لكنه مفرط في أبوابٍ أخرى من أبواب الدين، بل عنده في أبواب التوكل خلل عظيم، والتوازن أمر مطلوب، فلا يدعي الإنسان منزلة لنفسه لا يستطيعها، وليس معنى هذا أن يذل طالب العلم نفسه، لكن نقول إن وصل إليه شيء من غير طلب ولا استشراف فلا بأس في قبولها، أما لو كانت بواسطة أبيه تعين عليه القبول، أما ردها والزهد فيه بحجة التورع فخطأ، وهذا من عدم الفقه، لأنهذا الفعل وإن عمل بنص إلا أنه أحدر نصوصاً أخرى، ومراعاة حقوق الوالدين واجبة بعد حقوق الله -جل وعلا-، ومع هذا قد تجد طالب علم ملازماً للدروس، وإذا أمره أو نهاه أحد والديه ضرب بالأمر والنهي عرض الحائط! وهذا خلل يحتاج إلى إعادة نظر.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ ردود على العلمانيين والملحدين 2015 ©